الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن هِيَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً، وَلِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ، وَوَقْتُهَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ يُحْرِمُ بِهِمَا، ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيُمَجِّدُ، وَيَحْسُنُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ، وَيُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَسْنَ فَرْضًا وَلَا بَعْضًا، وَلَوْ نَسِيَهَا وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَاتَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى " ق "، وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ بِكَمَالِهِمَا جَهْرًا، وَيُسَنُّ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَانِ: أَرْكَانُهُمَا كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ، وَيُعَلِّمُهُمْ فِي الْفِطْرِ الْفِطْرَةَ وَفِي الْأَضْحَى الْأُضْحِيَّةَ، يَفْتَتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وِلَاءً.
الشرحُ (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ لَتَكَرُّرِهِ كُلَّ عَامٍ، وَقِيلَ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ بِعَوْدِهِ، وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوُ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. وَالْأَصْلُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الْكَوْثَرَ] أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَالذَّبْحَ. وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا فَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ (هِيَ سُنَّةٌ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِ عَنْ الصَّلَاةِ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ. فَقَالَ لَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ) (مُؤَكَّدَةٌ) لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا (وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ). نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهَا يَتَوَالَى فِيهَا التَّكْبِيرُ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ أَثِمُوا وَقُوتِلُوا عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ (وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى مِنْ تَرْكِهَا بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا هُوَ فَلَا يُسَنُّ لَهُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً وَتُسَنُّ لَهُ مُنْفَرِدًا (وَ) تُشْرَعُ أَيْضًا (لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) وَالْخُنْثَى وَالصَّغِيرِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الْجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ وَغَيْرِهِمَا، وَيُسَنُّ الِاجْتِمَاعُ لَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَيُكْرَهُ تَعَدُّدُهُ بِلَا حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبًا: أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ نَدْبًا، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا أَمَرَهُمْ بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الِامْتِثَالُ (وَوَقْتُهَا) مَا (بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا) يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَوْقَاتِ، فَمَتَى خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا الْيَوْمُ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ خَالٍ عَنْ صَلَاةٍ تُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، وَأَمَّا كَوْنُ آخِرِ وَقْتِهَا الزَّوَالَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَسَيَأْتِي أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَعَدَلُوا بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَنَّهَا تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً (وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ) الشَّمْسُ (كَرُمْحٍ) أَيْ كَقَدْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ لَنَا وَجْهًا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالِارْتِفَاعِ، فَفِعْلُهَا قَبْلَ الِارْتِفَاعِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِذَلِكَ لَا أَنَّهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ (وَهِيَ رَكْعَتَانِ) بِالْإِجْمَاعِ وَلِلْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ، وَحُكْمُهَا فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (يُحْرِمُ بِهِمَا) بِنِيَّةِ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزِ عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ الْأَضْحَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَهَذَا أَقَلُّهَا، وَبَيَانُ أَكْمَلِهَا مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (ثُمَّ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَعُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ مِنْ السَّبْعَةِ، وَجَعَلَهَا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْهَا، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: يُكَبِّرُ ثَلَاثًا (يَقِفُ) نَدْبًا (بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ) مِنْهَا (كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ) لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ (يُهَلِّلُ) أَيْ يَقُولُ: لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ (وَيُكَبِّرُ) أَيْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ (وَيُمَجِّدُ) أَيْ يُعَظِّمُ اللَّهَ، رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلًا وَفِعْلًا (وَيَحْسُنُ) فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ أَنْ يَقُولَ (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ، وَهِيَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ وَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَوْ قَالَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ هُوَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا لَكَانَ حَسَنًا، وَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ السَّابِعَةِ وَلَا بَعْدَ الْخَامِسَةِ وَلَا قَبْلَ الْأُولَى مِنْ السَّبْعِ جَزْمًا وَلَا قَبْلَ الْأُولَى مِنْ الْخَمْسِ (ثُمَّ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ (يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّهُ لِاسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ (وَيَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَسَيَأْتِي مَا يَقْرَأُ بَعْدَهَا (وَيُكَبِّرُ فِي) الرَّكْعَةِ. (الثَّانِيَةِ) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ (خَمْسًا) بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ (قَبْلَ) التَّعَوُّذِ وَ (الْقِرَاءَةِ) لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَجْهَرُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) نَدْبًا (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ كَغَيْرِهَا مِنْ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى يُسْرَاهُ تَحْتَ صَدْرِهِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَيَأْتِي فِي إرْسَالِهِمَا مَا مَرَّ ثَمَّ. وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلَوْ كَبَّرَ ثَمَانِيًا وَشَكَّ هَلْ نَوَى الْإِحْرَامَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. أَوْ شَكَّ فِي أَيُّهَا أَحْرَمَ جَعَلَهَا الْأَخِيرَةَ وَأَعَادَهُنَّ احْتِيَاطًا، وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُكَبِّرُ سِتًّا أَوْ ثَلَاثًا مَثَلًا تَابَعَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا نَدْبًا فِيهِمَا سَوَاءٌ اعْتَقَدَ إمَامُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا لِخَبَرِ (إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) حَتَّى لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّكْبِيرَاتِ لَمْ يَأْتِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجِيلِيُّ (وَلَسْنَ) أَيْ التَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَاتُ (فَرْضًا وَلَا بَعْضًا) بَلْ مِنْ الْهَيْئَاتِ كَالتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهِنَّ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لِكُلِّهِنَّ أَوْ بَعْضِهِنَّ مَكْرُوهًا، وَيُكَبِّرُ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ هَيْئَاتِهَا كَمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْعِجْلِيِّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (وَلَوْ نَسِيَهَا) فَتَذَكَّرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ (وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ) وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ (فَاتَتْ) فِي الْجَدِيدِ: أَيْ لَمْ يَتَدَارَكْهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ قَدْ يُقْضَى فَلَوْ عَادَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ إنْ كَانَ عَالِمًا مُتَعَمِّدًا وَالْجَهْلُ كَالنِّسْيَانِ وَالْعَمْدُ أَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَهَا وَتَعَوَّذَ وَلَمْ يَقْرَأْ كَبَّرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الِاسْتِفْتَاحِ لَا يَأْتِي بِهِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ لَا يَكُونُ مُفْتَتِحًا (وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ) لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْقِيَامُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَطَعَهَا وَكَبَّرَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا كَبَّرَ وَنُدِبَ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ يُكَبِّرْ جَزْمًا (وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى " ق "، وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ " بِكَمَالِهِمَا) كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ. وَقَوْلُهُ (جَهْرًا) لِلْإِجْمَاعِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الْأَعْلَى] وَفِي الثَّانِيَةِ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [الْغَاشِيَةَ] كَانَتْ سُنَّةً أَيْضًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِهِ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْأَوَّلُ (وَيُسَنُّ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَانِ) لِلْجَمَاعَةِ تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجَمَاعَةِ بَيْنَ الْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيَأْتِي بِهِمَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى خُطْبَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكْفِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا عَلَى الصَّوَابِ فِي الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ كَالسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قُدِّمَتْ وَ (أَرْكَانُهُمَا) وَسُنَنُهُمَا (كَهِيَ) أَيْ كَأَرْكَانِهِمَا وَسُنَنِهِمَا (فِي الْجُمُعَةِ) وَأَفْهَمَ إطْلَاقُهُ كَالْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ الشُّرُوطَ كَالْقِيَامِ فِيهِمَا، وَالسَّتْرُ وَالطَّهَارَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ الْإِسْمَاعُ، وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً، وَيُسَنُّ الْجُلُوسُ قَبْلَهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ. قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: قَدْرَ الْأَذَانِ، وَعَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَلَوْ ذَكَرَ السُّنَنَ كَمَا زِدْتهَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا رُبَّمَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ مُشَابَهَةِ سُنَنِ خُطْبَتَيْ الْعِيدِ لِسُنَنِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُشَابَهَةُ حَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ زَادَتَا عَلَى خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ بِسُنَنٍ أُخْرَى (وَيُعَلِّمُهُمْ) نَدْبًا (فِي) كُلِّ عِيدٍ أَحْكَامَهُ، فَفِي عِيدِ (الْفِطْرِ) يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ (الْفِطْرَةِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَبِضَمِّهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ كَابْنِ أَبِي الدَّمِ، وَهِيَ مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ؛ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ، مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ، وَكَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ أَيْ الْخِلْقَةِ، فَهِيَ صَدَقَةُ الْخِلْقَةِ (وَفِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ (الْأُضْحِيَّةِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي بَعْضِهَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالْحَالِ، وَ (يَفْتَتِحُ) الْخُطْبَةَ (الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ) وِلَاءً إفْرَادًا (وَ) الْخُطْبَةَ (الثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وِلَاءً) إفْرَادًا تَشْبِيهًا لِلْخُطْبَتَيْنِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى تَشْتَمِلُ عَلَى تِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، وَالرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، وَالْوِلَاءُ سُنَّةٌ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْإِفْرَادُ، فَلَوْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ، أَوْ قُرِنَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ، جَازَ، وَالتَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلْخُطْبَةِ لَا مِنْهَا وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ، وَيُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَتَيْنِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَمَنْ دَخَلَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ بَدَأَ بِالتَّحِيَّةِ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ، فَلَوْ صَلَّى فِيهِ بَدَلَ التَّحِيَّةِ الْعِيدَ وَهُوَ أَوْلَى حَصَلَا، لَكِنْ لَوْ دَخَلَ وَعَلَيْهِ مَكْتُوبَةٌ يَفْعَلُهَا وَيَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ، أَوْ فِي صَحْرَاءَ سُنَّ لَهُ الْجُلُوسُ لِيَسْتَمِعَ إذْ لَا تَحِيَّةَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَّا إنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الِاسْتِمَاعِ، وَإِذَا أَخَّرَهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِغَيْرِهَا إلَّا إنْ خَشِيَ الْفَوَاتَ بِالتَّأْخِيرِ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ أَنْ يُعِيدَهَا لِمَنْ فَاتَهُ سَمَاعُهَا وَلَوْ نِسَاءً لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَرْعٌ: قَالَ أَئِمَّتُنَا: الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَأَرْبَعٌ فِي الْحَجِّ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ فَقَبْلَهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا ثِنْتَانِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْحَجِّ فَفُرَادَى.
المتن وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ بِالْفَجْرِ، وَالتَّطَيُّبُ
الشرحُ (وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ) لِعِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ فَسُنَّ الْغُسْلُ لَهُ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ (وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ) وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِعْلَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ يُبَكِّرُونَ إلَيْهَا مِنْ قُرَاهُمْ فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْغُسْلُ لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعَلَّقَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا قِيلَ فِي أَذَانِهِ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ (وَفِي قَوْلٍ) يَدْخُلُ وَقْتُهُ (بِالْفَجْرِ) كَالْجُمُعَةِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ هُنَاكَ وَتَقْدِيمِهَا هُنَا (وَ) يُنْدَبُ (التَّطَيُّبُ) أَيْ التَّطَيُّبُ لِلذَّكَرِ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ عِنْدَهُ مِنْ الطِّيبِ. فَإِنْ قِيلَ: الطِّيبُ اسْمُ ذَاتٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا قَدَّرْته.
المتن وَالتَّزَيُّنُ كَالْجُمُعَةِ.
الشرحُ (وَالتَّزَيُّنُ) بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَبِإِزَالَةِ الظُّفُرِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ (كَالْجُمُعَةِ) لَكِنَّ الْجُمُعَةَ السُّنَّةُ فِيهَا لُبْسُ الْبَيَاضِ كَمَا مَرَّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْخَارِجِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ نَعَمْ مُرِيدُ الْأُضْحِيَّةِ لَا يُزِيلُ شَعْرَهُ وَلَا ظُفُرَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُضْحِيَّةِ. أَمَّا الْأُنْثَى فَيُكْرَهُ لِذَاتِ الْجَمَالِ وَالْهَيْئَةِ الْحُضُورُ، وَيُسَنُّ لِغَيْرِهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ، وَتَتَنَظَّفُ بِالْمَاءِ وَلَا تَتَطَيَّبُ وَتَخْرُجُ فِي ثِيَابِ بَذْلِهَا، وَالْخُنْثَى فِي هَذِهِ كَالْأُنْثَى أَمَّا الْأُنْثَى الْقَاعِدَةُ فِي بَيْتِهَا فَيُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الطِّيبَ وَقَالَ: وَالتَّزَيُّنُ كَالْجُمُعَةِ لَكَانَ أَخَصْرَ، لِأَنَّهُ فِي الْجُمُعَةِ أَدْخَلَ الطِّيبَ فِي التَّزَيُّنِ.
المتن وَفِعْلُهَا بِالْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ بِالصَّحْرَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ.
الشرحُ (وَفِعْلُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ (بِالْمَسْجِدِ) عِنْدَ اتِّسَاعِهِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (أَفْضَلُ) لِشَرَفِ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ) فِعْلُهَا (بِالصَّحْرَاءِ) أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالرَّاكِبِ وَغَيْرِهِ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَالْمَسْجِدُ أَفْضَلُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. أَمَّا هُوَ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطْعًا اقْتِدَاءً بِالصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمَعْنَى فِيهِ فَضِيلَةُ الْبُقْعَةِ وَمُشَاهَدَةُ الْكَعْبَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَأَلْحَقَ الصَّيْدَلَانِيُّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِلْفَضْلِ وَالسَّعَةِ الْمُفْرِطَةِ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ مَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى خِلَافِهِ، أَلْحَقَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ اتَّسَعَ الْآنَ، وَمَنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ فَذَاكَ قَبْلَ اتِّسَاعِهِ (وَيَسْتَخْلِفُ) الْإِمَامُ نَدْبًا إذَا خَرَجَ إلَى الصَّحْرَاءِ (مَنْ يُصَلِّي) فِي الْمَسْجِدِ (بِالضَّعَفَةِ) كَالشُّيُوخِ وَالْمَرْضَى وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ وَيَخْطُبُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ فِي ذَلِكَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ لَمْ يَخْطُبْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِكَوْنِهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ خَطَبَ كُرِهَ لَهُ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ حَقٌّ فِي إمَامَةِ الْعِيدِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَلَّدَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ فَيَدْخُلَ فِيهِ. قَالَ: وَإِذَا قُلِّدَ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي عَامٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلِّدَ صَلَاةَ الْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فِي عَامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَقْتًا مُعَيَّنًا تَتَكَرَّرُ فِيهِ بِخِلَافِهِمَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَظَاهِرٌ أَنَّ إمَامَةَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِالضَّعَفَةِ تَيَمُّنٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ بَعْضُ الْأَقْوِيَاءِ، وَلِذَا ذَكَرْته.
المتن وَيَذْهَبُ فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى.
الشرحُ (وَيَذْهَبُ) نَدْبًا مُصَلِّي الْعِيدِ لِصَلَاتِهَا إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ) مِنْهَا (فِي) طَرِيقٍ (أُخْرَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُخَصُّ الذَّهَابُ بِأَطْوَلِهِمَا، وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ وُجُوهٌ أَوْجَهُهَا أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ فِي أَطْوَلِهِمَا تَكْثِيرًا لِلْأَجْرِ، وَيَرْجِعُ فِي أَقْصَرِهِمَا، وَقِيلَ: خَالَفَ بَيْنَهُمَا لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَقِيلَ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُهُمَا، وَقِيلَ لِيُسْتَفْتَى فِيهِمَا، وَقِيلَ لِيَتَصَدَّقَ عَلَى فُقَرَائِهِمَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَيُسَنُّ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ: كَالْحَجِّ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رِيَاضِهِ.
المتن وَيُبَكِّرُ النَّاسُ، وَيَحْضُرُ الْإِمَامُ وَقْتَ صَلَاتِهِ وَيُعَجِّلُ فِي الْأَضْحَى. قُلْت:
الشرحُ (وَيُبَكِّرُ النَّاسُ) لِلْحُضُورِ لِلْعِيدِ نَدْبًا بَعْدَ صَلَاتِهِمْ الصُّبْحَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِيَحْصُلَ لَهُمْ الْقُرْبُ مِنْ الْإِمَامِ وَفَضِيلَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: هَذَا إنْ خَرَجُوا إلَى الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ مَكَثُوا فِيهِ إذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ فِيمَا يَظْهَرُ (وَيَحْضُرُ الْإِمَامُ) مُتَأَخِّرًا عَنْهُمْ (وَقْتَ صَلَاتِهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّ انْتِظَارَهُمْ إيَّاهُ أَلْيَقُ (وَيُعَجِّلُ) الْحُضُورَ (فِي الْأَضْحَى) بِحَيْثُ يُصَلِّيهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْفَاضِلِ، وَيُؤَخِّرُهُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَلِيلًا لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفِطْرِ لِتَفْرِيقِ الْفِطْرَةِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْأَضْحَى لِلتَّضْحِيَةِ (قُلْت) كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ.
المتن وَيَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُمْسِكُ فِي الْأَضْحَى
الشرحُ (وَيَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ الْمَأْكُولِ تَمْرًا وِتْرًا فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مَا ذُكِرَ فِي بَيْتِهِ فَفِي الطَّرِيقِ أَوْ الْمُصَلَّى إنْ تَيَسَّرَ (وَيُمْسِكُ) عَنْ الْأَكْلِ (فِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) حَتَّى يُصَلِّيَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِيَتَمَيَّزَ عِيدُ الْفِطْرِ عَمَّا قَبْلَهُ الَّذِي كَانَ الْأَكْلُ فِيهِ حَرَامًا، وَلِيُعْلَمَ نَسْخُ تَحْرِيمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَهَا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ الْأَضْحَى، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ، وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ.
المتن وَيَذْهَبُ مَاشِيًا بِسَكِينَةٍ.
الشرحُ (وَيَذْهَبُ) لِلْعِيدِ (مَاشِيًا) كَالْجُمُعَةِ (بِسَكِينَةٍ) لِمَا مَرَّ فِيهَا، وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِ الْعَاجِزِ لِلْعُذْرِ وَالرَّاجِعِ مِنْهَا وَلَوْ قَادِرًا مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ. قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: وَلَوْ كَانَ الْبَلَدُ ثَغْرًا لِأَهْلِ الْجِهَادِ بِقُرْبِ عَدُوِّهِمْ فَرُكُوبُهُمْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِظْهَارُ السِّلَاحِ أَوْلَى.
المتن وَلَا يُكْرَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ (وَلَا يُكْرَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا) بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ (لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْتِفَاءِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَرَاهَةِ، فَخَرَجَ بِقَبْلِهَا بَعْدَهَا. وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ كُرِهَ لَهُ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا، وَبِبَعْدِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِهِ، وَبِغَيْرِ الْإِمَامِ فَيُكْرَهُ لَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الْأَهَمِّ وَلِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُسَنُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ لِخَبَرِ (مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَحَبُّوا الْإِحْيَاءَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ، قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِمَوْتِ الْقُلُوبِ شَغَفُهَا بِحُبِّ الدُّنْيَا، وَقِيلَ الْكُفْرُ، وَقِيلَ الْفَزَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ كَالْمَبِيتِ بِمِنًى، وَقِيلَ بِسَاعَةٍ مِنْهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً وَالْعَزْمُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً، وَالدُّعَاءُ فِيهِمَا وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَيْ أَوَّلِ رَجَبٍ وَنِصْفِ شَعْبَانَ مُسْتَجَابٌ فَيُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ.
المتن يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ، وَالْأَظْهَرُ إدَامَتُهُ حَتَّى يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي، وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَصَحِّ، وَيُكَبِّرُ الْحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، وَغَيْرِهِ كَهُوَ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِلْفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ وَالنَّافِلَةِ.
الشرحُ (فَصْلٌ) فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَيُسَمَّى بِالْمُطْلَقِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ عَقِبَ صَلَاةٍ فَقَالَ (يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ) لِحَاضِرٍ وَمُسَافِرٍ وَذَكَرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ (بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ) أَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى،، دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الْبَقَرَةَ] قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: سَمِعْت مَنْ أَرْضَاهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ عِدَّةُ الصَّوْمِ، وَبِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْإِكْمَالِ، وَدَلِيلُ الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِذَلِكَ كَانَ تَكْبِيرُ الْأَوَّلِ آكَدُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُونَ (فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ) جَمْعُ سُوقٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ وَغَيْرِهَا كَالزَّحْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا (بِرَفْعِ الصَّوْتِ) لِلرَّجُلِ إظْهَارًا لِشِعَارِ الْعِيدِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَرْفَعُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا حَضَرَتْ مَعَ غَيْرِ مَحَارِمِهَا وَنَحْوِهِمْ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ أَيْضًا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَالَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ (وَالْأَظْهَرُ إدَامَتُهُ) نَدْبًا لِلْمُصَلِّي وَغَيْرِهِ (حَتَّى يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ) أَيْ يَفْرَغَ مِنْ إحْرَامِهِ بِهَا إذَا الْكَلَامُ يُبَاحُ إلَيْهِ فَالتَّكْبِيرُ أَوْلَى مَا يَشْتَغِلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَشِعَارُ الْيَوْمِ، وَالثَّانِي حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لَهَا، وَالثَّالِثُ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهَا قِيلَ وَمِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَالْعِبْرَةُ بِإِحْرَامِهِ (وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ) عِيدِ (الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي) لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُهُ، وَالْمُعْتَمِرُ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى نَوْعِ التَّكْبِيرِ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالثَّانِي يُسَنُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْأَذْكَارِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ غَالِبِ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا فَيُكَبِّرُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ (وَيُكَبِّرُ) عَقِبَ الصَّلَوَاتِ (الْحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ) يَوْمِ (النَّحْرِ) لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِمِنًى وَوَقْتُ انْتِهَاءِ التَّلْبِيَةِ (وَيَخْتِمُ) التَّكْبِيرَ (بِصُبْحِ آخِرِ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ) لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا بِمِنًى كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ الْحَاجِّ (كَهُوَ) أَيْ كَالْحَاجِّ فِي ذَلِكَ (فِي الْأَظْهَرِ) تَبَعًا لَهُ لِأَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلْحَجِيجِ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ مِنْ الظُّهْرِ كَمَا مَرَّ، وَلِإِطْلَاقِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ (أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى). وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا (وَفِي قَوْلٍ) يُكَبِّرُ غَيْرُهُ (مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ) يَوْمِ (النَّحْرِ) وَيَخْتِمُ أَيْضًا بِصُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
تَنْبِيهٌ: جَرُّ الْكَافِ لِلضَّمِيرِ قَلِيلٌ، وَالْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْفُقَهَاءِ يُكْثِرُ مِنْهُ (وَفِي قَوْلٍ مِنْ صُبْحِ) يَوْمِ (عَرَفَةَ، وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) فِي الْأَمْصَارِ. وَصَحَّ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَمَجْمُوعِهِ، وَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الشَّخْصُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا مُنْفَرِدًا أَوْ غَيْرَهُ (يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ) لِلْجِنَازَةِ، وَ (لِلْفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ) وَالْمَنْذُورَةِ (وَالنَّافِلَةِ) أَوْ الْمُقَيَّدَةِ وَذَاتِ السَّبَبِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: يُكَبِّرُ عَقِبَ الْفَرَائِضِ خَاصَّةً سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُؤَدَّاةً أَمْ مَقْضِيَّةً مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ مَحْصُورَةٌ فَلَا يَشُقُّ طَلَبُ ذَلِكَ فِيهَا كَالْأَذَانِ فِي أَوَّلِ الْفَرَائِضِ وَالْأَذْكَارِ فِي آخِرِهَا، وَالثَّالِثُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا عَقِبَ فَرَائِضِ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَدَاءً كَانَتْ أَوْ قَضَاءً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عَلَى الْأَوَّلِ عَقِبَ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الرَّوْنَقِ: إنَّهُ يُكَبِّرُ عَقِبَهُمَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَمَّا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْهَا وَقَضَاهَا فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ تَدَارَكَهُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ، وَكَذَا إنْ طَالَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَيَجْعَلُهُ شِعَارَ الْيَوْمِ، أَمَّا لَوْ اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ رَأْيُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي وَقْتِ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ اتَّبَعَ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ.
المتن وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
الشرحُ (وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ) أَيْ الْمَسْنُونَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) ثَلَاثًا فِي الْجَدِيدِ كَذَا وَرَدَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) مَرَّتَيْنِ (وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبُوَيْطِيِّ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " (كَبِيرًا) كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ: أَيْ بِزِيَادَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ كَبِيرًا (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، وَمَعْنَى: بُكْرَةً وَأَصِيلًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَقِيلَ: الْأَصِيلُ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا بَعْدَ هَذَا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، قِيلَ هُوَ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ: أَيْ كَبَّرْت كَبِيرًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَطْعِ، وَقِيلَ عَلَى التَّمْيِيزِ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ: وَإِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كَبَّرَ.
المتن وَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ أَفْطَرْنَا وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ، وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ، أَوْ بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ أَفْطَرْنَا، وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ.
الشرحُ (وَلَوْ) شَهِدَا أَوْ (شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ) مِنْ رَمَضَانَ (قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) أَيْ هِلَالِ شَوَّالٍ (اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ أَفْطَرْنَا) وُجُوبًا (وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ) نَدْبًا أَدَاءً إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ فِيهِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ رَكْعَةٍ كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا دُونَ الِاجْتِمَاعِ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَحْدَهُ أَوْ بِمَنْ تَيَسَّرَ حُضُورُهُ لِتَقَعَ أَدَاءً لِأَنَّهُ وَقْتُهَا، وَمُرَاعَاةُ الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ ثُمَّ يُصَلِّيَهَا مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ شَهِدَا، أَوْ (شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ (لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ) فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ شَوَّالًا قَدْ دَخَلَ يَقِينًا وَصَوْمُ ثَلَاثِينَ قَدْ تَمَّ، فَلَا فَائِدَةَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَّا الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَلَا نَقْبَلُهَا وَنُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ أَدَاءً. قَالُوا: وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا بَلْ يَوْمَ فِطْرِ النَّاسِ، وَكَذَا يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، سَوَاءٌ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ (الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ . وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ (وَعَرَفَةُ يَوْمَ يَعْرِفُونَ) أَمَّا الْحُقُوقُ وَالْأَحْكَامُ الْمُعَلَّقَةُ بِالْهِلَالِ كَالتَّطْلِيقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعِتْقِ فَتَثْبُتُ قَطْعًا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّثْنِيَةِ كَمَا قَدَّرْته وَحَذَفَ " الـ " مِنْ الْهِلَالِ وَأَضَافَهُ لِلَّيْلَةِ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِيُدْخِلَ فِيهِ الشَّهَادَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا (أَوْ) شَهِدُوا (بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ) أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ صَلَاةَ الْعِيدِ أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا كَمَا مَرَّ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ، وَ (أَفْطَرْنَا وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ) أَدَاءً.
المتن وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ فِي الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً.
الشرحُ (وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ) فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَفِي الْغَدِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَتَى اتَّفَقَ (فِي الْأَظْهَرِ) كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ، وَالْأَفْضَلُ قَضَاؤُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمْ فِيهِ وَإِلَّا فَقَضَاؤُهَا فِي الْغَدِ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى النَّاسِ الْحُضُورُ، وَالْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ، لَا فِي صَلَاةِ الْآحَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُهَا عَاجِلًا مَعَ مَنْ تَيَسَّرَ، وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا ثُمَّ يَفْعَلُهَا غَدًا مَعَ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَهْرِ الْعِيدِ، وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ سَبَقَتْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُكَرَّرَةٌ، لَكِنَّهُ ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَقِيلَ فِي قَوْلٍ) مِنْ قَوْلَيْنِ هُمَا أَحَدُ طَرِيقَيْنِ لَا تَفُوتُ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ (تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً) لِأَنَّ الْغَلَطَ فِي الْهِلَالِ كَثِيرٌ، فَلَا يَفُوتُ بِهِ هَذَا الشِّعَارُ الْعَظِيمُ. وَهَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: تَفُوتُ كَطَرِيقِ الْقَطْعِ بِهِ الرَّاجِحَةُ، وَالْأَثَرُ لِلتَّعْدِيلِ لَا لِلشَّهَادَةِ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَعُدِّلَا بَعْدَهُ، فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا، فَتُصَلَّى الْعِيدُ مِنْ الْغَدِ أَدَاءً، وَقِيلَ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَيَّدُوهُ بِمَا لَوْ شَهِدَا بِحَقٍّ وَعُدِّلَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا ا هـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ، إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ بِشَهَادَتِهِمَا بِشَرْطِ تَعْدِيلِهِمَا، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَثَرِ الْحُكْمِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً.
خَاتِمَةٌ: قَالَ الْقَمُولِيُّ: لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ. وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا، فَقَالَ: بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك، وَسَاقَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ: أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ، وَلَوْ حَضَرَ سُكَّانُ الْبَوَادِي لِلْعِيدِ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ صَلَاتِهَا وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا مِنْهَا وَسَمِعُوا النِّدَاءَ وَأَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُهَا لَوْ عَادُوا إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ أَوْ بِالْعَوْدِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا كَأَنْ صَلَّوْا الْعِيدَ بِمَكَانِهِمْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْوَافِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. .
|